مقالات عن المعلقات
هل المعلقات الظاهرة المتميزة الوحيدة؟
ما حاجتنا إلى المعلقات اليوم؟
المعلقات بين التذهيب والتعليق
المعلقات بين التذهيب والتعليق

2008-02-17

اختار العرب قبل الإسلام من أشعارهم بعض القصائد اتسمت بدقة المعنى وبعد الخيال وبراعة الوزن وصدق التصوير لحياتهم الاجتماعية، اعتبروها واعتبرها النقاد والرواة والشراح قمة الشعر العربي. أسموها: "المطولات"، لكثرة عدد أبياتها، و"المذهبات"، لكتابتها مذهبة. غير أن تسميتها الأشهر: "المعلقات"، لتعليقها على ستار الكعبة، بعد الحصول على موافقة لجنة تحكيم تنظم سنوياً عرفت بسوق عكاظ.

وفيه يأتي الشعراء بما جادت به قريحتهم خلال سنة، فيقرأون قصائدهم أمام الملأ وأمام لجنة التحكيم، التي كان من أعضائها النابغة الذبياني، ليعطوا رأيهم في القصيدة، فإذا لاقت قبولهم واستحسانهم طارت في الآفاق وتناقلتها الألسن وعلقت على جدران الكعبة، أقدس مكان عند العرب، وإن لم يستجيدوها خمل ذكرها وخفي بريقها، حتى ينساها الناس وكأنها لم تكن شيئاً مذكوراً.

والمعلقات لغة، من العِلْق، وهو النفيس من كل شيء، والعَلَق هو كل ما عُلِّق. وهي اصطلاحاً قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة عددها سبع، هي: معلقة امرؤ القيس، معلقة طرفة بن العبد، معلقة زهير ابن أبي سلمى، معلقة لبيد العامري، معلقة عمرو ابن كلثوم، معلقة عنترة العبسي، ومعلقة الحارث بن حلزة. أو عشر، مضاف إليها ثلاث أخرى هي: معلقة النابغة الذبياني، معلقة الأعشى، ومعلقة عبيد بن الأبرص. وقد بلغت هذه المعلقات الذروة في اللغة والخيال والفكر والموسيقى ونضج التجربة وأصالة التعبير، برزت فيها خصائص الشعر في عصر ما قبل الإسلام بوضوح حتى عدت من أفضل الآثار الأدبية لهذا العصر.

ورغم أن أبا جعفر النحاس لم يعترف بتعليقها أصلاً، إلا أن ابن عبد ربه الأندلسي له رأي آخر في العقد الفريد كان الأكثر شهرة بين الناس قديماً وحديثاً، قال فيه: "وقد بلغ من كلف العرب به (أي الشعر) وتفضيلهم له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيرتها من الشعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلقتها بين أستار الكعبة، فمنه يقال: مذهبة امرئ القيس، ومذهبة زهير، والمذهبات السبع، وقد يقال: المعلقات". قال ابن الكلبي: أن أول ما علق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركان الكعبة أيّام الموسم حتى نظر إليه ثم اُحدر، فعلقت الشعراء ذلك بعده.

وللمعلقة الواحدة عدة روايات لأكثر من راوي، عرفناهم وعرفنا رواياتهم والفروق الدقيقة في ما بينها، من كتب التراث العربي التي ارتبطت بأسماء الرواة كمؤلفين، أو بأسماء الشراح الكبار من أمثال الزوزني والخطيب التبريزي والأنباري وغيرهم. كما عرفناهم من خلال حواشي ومقدمات المحققين المعاصرين للمعلقات، أو أحدث الدراسات عن المعلقات في الأدب العربي المعاصر والحديث، ومنها دراسات لكتاب غربيين أيضاً.

من أشهر هؤلاء الرواة: الأصمعي، الأعلم، البطليوسي، أبوعبيدة، القرشي، الطوسي، أبو سهل، والنحاس. كما أن هناك روايات تنسب للشراح الكبار المذكورين آنفاً. ويمكن القول أن درجة الاختلاف بين رواية وأخرى لنفس المعلقة لها عدة صور، منها: عدم المطابقة في ترتيب بعض الأبيات تقديماً وتأخيراً، التباين في بعض الكلمات التي قد تكون مرادفة لبعضها البعض أو مختلفة المعنى، وأحياناً وجود الفروق في بعض الحروف كحروف الجر.

لذلك، وإن كان الحرص على تقديم الروايات جميعاً، أمر مطلوب، إلا أن ذلك لا يمنع من أفضلية اتخاذ رواية واحدة، مثل رواية الزوزني على سبيل المثال، كرواية أساسية، تبنى عليها الشروح المختلفة للمعلقات والمواد الأخرى المرتبطة بها، مع الإشارة في عجالة إلى الفروق مع الروايات الأخرى.


بشير أبو القرايا


جميع الحقوق محفوظة © 2008-2020 - القرية الألكترونية في أبو ظبي