|
مقالات عن المعلقات
|
|
ما حاجتنا إلى المعلقات اليوم؟
2008-02-18
اللغة أداة البيان ووعاء الفكر، الارتقاء بها، والتنقيب عن ذخائرها، والنهل من مفرداتها، وإعادة تعميق استخداماتها في حياتنا اليومية والاجتماعية، وتوظيف أكبر قدر منها في حياتنا الثقافية والعلمية والتعليمية، كبديل للمفردات والمفاهيم والاصطلاحات الدخيلة علينا من اللغات الأخرى، يعد مؤشراً أساسياً من مؤشرات النهوض. إذ لم نسمع في التاريخ الإنساني عن أمة واحدة نجحت في النهوض في ظل الاستعانة بلغة أخرى على حساب لغتها بحجة أنها لغة العصر، وإنما استعانت باللغات الأخرى فوظفتها لخدمة مفردات لغتها واصطلاحاتها ودلالات معانيها. وكانت حذرة كل الحذر من مفاهيم اللغات الأخرى، خشية أن تطغى على مفاهيم لغتها الأصلية. فانتشار مفهوم دخيل ذو دلالات معينة من شأنه أن يقمع المفهوم المستخدم في لغتنا الأصلية، فيكون ذلك مدعاة للاستهانة أو الاستخفاف به، أو استخدامه في غير موضعه وبشكل سلبي، أو عدم استخدامه أصلاً. وهذا الأمر لا يقبله عقل.
الألمان يضرب بهم المثل في الاعتزاز بلغتهم، وكذلك الإيطاليين، والروس، والأسبان، والصينيين، واليابانيين وغيرهم. غير أن الموقف الأبرز جسده الفرنسيين، صحافة ومفكرين وعامة، عندما شنوا مؤخراً هجوماً لاذعاً على رئيسهم نيكولاي ساركوزي عندما تحدث باللغة الإنجليزية أثناء زيارته للولايات المتحدة ولم يتحدث باللغة الفرنسية. فالمتعارف عليه في الدول المتقدمة، أن الرئيس أينما ذهب لا يتحدث إلا بلغة بلده، حتى ولو كان يجيد لغة الدولة التي يزورها. ويثور التساؤل هنا عن حال مناهج التعليم في هذه البلدان، هل تكون بغير لغتها الوطنية، وكذلك الحال لغة التخاطب التجاري والحكومي وما إلى ذلك.
بالنسبة لنا نحن العرب، الاستعانة باللغة الإنجليزية اليوم باعتبارها لغة العلم الحديث أمر هام ولا غنى عنه، بل إن الاستعانة باللغات الأخرى للأمم المتقدمة أمر ضروري لبناء قوتنا وتحقيق نهضتنا. لكن هناك فرق بين أن نتعامل مع اللغة الإنجليزية بالشكل الأمثل الذي لا يضر بلغتنا العربية، وبين أن تكون وسيلة يستخدمها البعض لانتزاع لغة القرآن الكريم من عقولنا أو يتقلص استخدامنا لها في كل مناحي حياتنا، حتى داخل بيوتنا، وبين أطفالنا. ما من شك أن هناك خيط رفيع يفصل بين الحالتين، يمكن تلخيصه بالقول أننا بحاجة إلى اللغات الأخرى من خلال لغتنا العربية، لا على حسابها، وعلى من يجيد اللغة الإنجليزية، عليه أن يجيد اللغة العربية قبلها. إن كل عمالقة الترجمة في تاريخنا العربي، الذين نقلوا إلى العربية أعمالاً رائدة، امتلكوا ناصية اللغة العربية بشكل جدير بالتقدير.
إنني أتساءل: لماذا أصبحت اللغة العربية في بلادنا ليست لغة التخاطب التجاري؟ ولا لغة التخاطب الحكومي في كثير من الوزارات والدوائر الحكومية؟ ولا لغة التخاطب بين كثير من الأكاديميين والمهنيين العرب؟ لماذا أصبحنا في هذه الأيام قلما نجد أسماء عربية لمحلاتنا أو شركاتنا أو مؤسساتنا؟ المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري طالب بمنع أي أسماء غير عربية في محلات القاهرة. ما أحوجنا اليوم إلى مثل هذا الطرح. إنني أقترح للإجابة على هذه التساؤلات أن نقارن بين ما يحدث في باريس أو لندن أو بون أو طوكيو أو موسكو، وبين ما يحدث في مدننا العربية، ونتخذ من ذلك موعظة لنتبين حقيقة إجحافنا بحق لغتنا العظيمة.
إن الأدهى والأمر هو أن يتنصل من استخدام اللغة العربية بعض العرب ممن يدّعون أنهم يفضلون التحدث باللغة الإنجليزية، وهم الذين تعلموها من قاموس جيب صدر قبل مائة عام! علينا أن نتخذ من اهتمام الألمان والفرنسيين والإيطاليين والروس والصينيين واليابانيين بلغتهم قدوة في هذا الجانب، وعلينا كذلك أن نتعظ من عدونا الصهيوني، الذي أحيا لغة اندثرت منذ آلاف السنين لتكون أداة بيانه ووعاء فكره وإحدى مقومات قوته ووحدته.
إن اعتزازنا بلغتنا والاهتمام بها وتطوير استخدامنا لها، أساس الحفاظ على هويتنا وشخصيتنا الحضارية، والمدخل الحقيقي للإفاقة من سباتنا العميق وتحقيق نهضتنا وبناء قوتنا. وهنا أود أن أتوجه بتحية إجلال وتقدير إلى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، على جعله العام 2008 عام الهوية في الإمارات، وأحيي الصحف ومراكز البحوث الإماراتية ومفكريها وأبناءها الذين اعتبروا أن إحياء اللغة العربية هو أساس الاهتمام بالهوية.
ويأتي الاهتمام بالقرآن الكريم والسنة النبوية كمصدر أساسي من مصادر تدعيم اللغة العربية، وهنا أوجه تحية إجلال للقرية الإلكترونية على مشروعها الجديد قيد الإنجاز، المسمى: "أطلس القرآن الكريم"، وهو حالياً وبشكل مؤقت يمثل إحدى الصفحات الفرعية لموقع المسالك دوت كوم www.almasalik.com. كما يأتي الشعر والأدب العربي، كمصدر أساسي آخر لتعميق اللغة العربية في نفوس أبنائنا، وخاصة في مراحل التعليم المدرسي. ولا ننسى أن القرآن الكريم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم مستخدماً مفردات العرب واصطلاحاتهم في عصر ما قبل الإسلام، لذلك فكثيراً ما يقول شراح الشعر العربي لبيت من الأبيات عبارتهم المشهورة: "وكذلك قال القرآن كذا وكذا". وتأتي الاستفادة من الوسائل التتقنية الحديثة، وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وتطويع الوسائط المتعددة لتساعد على تقديم اللغة العربية بشكل جذاب وبسيط ومشوق. وهنا تكمن القيمة الفعلية لواحة المعلقات.
من هنا، وضمن هذا السياق، فإن الاهتمام بالمعلقات، كنموذج من النماذج الهامة المساعدة على تدريس اللغة العربية في مدارسنا، وهي التي اتسمت بدقة المعنى وبعد الخيال وبراعة الوزن وصدق التصوير لحياة العرب الاجتماعية، وخاصة من خلال إظهارها بالصورة الممتعة المقدمة في واحة المعلقات، من الممكن أن يكون وسيلة مؤثرة وإيجابية تسهم في ترغيب أبنائنا في اللغة العربية وتعميق الاعتزاز بها في عقولهم ونفوسهم. إنني أطالب القائمين على نظم التعليم في الدول العربية منح المعلقات اهتماماً خاصاً. وجعلها مقرراً أساسياً من مقررات تدريس مادة اللغة العربية. ليس بالشكل التلقيني الجامد والمنفر، وإنما بالأسلوب التفاعلي الممتع والجذاب الذي يطرحه موقع واحة المعلقات، من خلال المزج بين الوسائط المكتوبة والمقروءة والمسموعة والمرئية، ووفقاً لتقنية التطوير الثاني لشبكة المعلومات الدولية Web 2، وما ارتبط بها من فهرسة حديثة للموضوعات، وتعاون متبادل بتقديم المستخدمين لإسهاماتهم، فضلاً عن تطويع خريطة القمر الصناعي لناسا وجوجل لتحديد الأماكن الوارد ذكرها في قصائد الشعر بشكل مباشر أو غير مباشر.
بشير أبو القرايا
|
|
جميع الحقوق محفوظة © 2008-2020 - القرية الألكترونية في أبو ظبي |
|